عودة النشاط لقاعات السينما في الجزائر بعد عام من الهجران

أعطت مليكة بن دودوة، وزيرة الثقافة والفنون الجزائرية، الضوء الأخضر للمشرفين على قاعات السينما، المنتشرة في الجزائر، لاستئناف عروض الأفلام، والقيام بنشاطات الفعل السينمائي، بعد توقّف دام عاماً كاملاً، بسبب الإجراءات الصارمة التي اتّخذت للحدّ من انتشار وباء كورونا. رافقت هذا المنع، حينها، إجراءات أخرى اتّخذتها الحكومة لكبح جماح الوباء، ومحاولة محاصرته في المهد، وبالتالي تمّ حرمان عشاق السينما وصنّاعها من الفعل الفني الذي يحبّونه، إذْ تمّ توقيف ممارسة نشاطاتهم وهواياتهم، وإلغاء المهرجانات السينمائية، التي كانت واجهة ثقافية وفنية مهمة للجزائر دولياً، كمهرجاني “وهران الدولي للفيلم العربي” و”عنابة للفيلم المتوسطي”، وعروض الأندية الهاوية وأيامها، والنقاشات التي تقام فيها، بالإضافة إلى توقيف صناعة الأفلام بمختلف صيغها، من دون أيّ استثناء.

صَاحَب قرارَ الإعادة، الذي أعاد الحياة إلى طبيعتها، شروطٌ صحّية يجب أنْ تُرافق كلّ نشاط ليُسمح بممارسته: ضرورة تقليص عدد الحضور إلى النصف، وإلزامية ارتداء الكمّامة، والتباعد الاجتماعي بين الأفراد، وخلق مسافة أمان، وتعقيم القاعة بعد كل عرض. خطوات صحّية ستحمي الجمهور من خطر الإصابة بكورونا. في مقابل تقليص الحضور، وحرمان “النصف الثاني” من حقّه في مشاهدة الأفلام المعروضة، تمّ مضاعفة حصص العروض السينمائية، حتى لا يكون هناك أيّ تأثير على عدد المُشاهدين.

إذاً، بدأت الصالات السينمائية، منذ 15 مارس/ آذار 2021، تنظيم عروضٍ لـ14 فيلماً في 12 ولاية جزائرية، لأفلامٍ جديدة وقديمة نسبياً، ولأخرى تُعرض للمرّة الأولى، كـ”دزاير” لمهدي تساباست، الذي يروي قصّة البطلة شايب دزاير، التي سقطت في بداية الثورة الجزائرية (1954 ـ 1962) لتُصبح أول شهيدة، وكانت حينها في منزلها رفقة عائلتها، تؤوي القائد الثوري باجي مختار. هاجم الجيش الفرنسي المنزل، فقضى على المجموعة. الفيلم فرصة مؤاتية للجمهور للتعرّف أكثر على هذه الشخصية المهمّة.

الفرصة مؤاتية أصلاً لشريحة واسعة من عشّاق السينما، لمشاهدة أفلام مهمّة كثيرة، كانوا يقرأون عنها في الصحافتين المحلية والدولية، بفضل مشاركتها في مهرجانات سينمائية دولية، وحصول بعضها على جوائز أساسية، كـ”أبو ليلى” لأمين سيدي بومدين، و”مناظر الخريف” لمرزاق علواش، والوثائقيّ “143، طريق الصحراء” لحسان فرحاني. من الأعمال الجديدة، هناك “الموسم الخامس” لأحمد بن كاملة، و”صليحة” لمحمد صحراوي، و”أرقو” لعمار بلقاسمي، و”هيليوبوليس” لجعفر قاسم، والأخير رشّحته الجزائر لتمثيلها في “أوسكار” أفضل فيلم أجنبي (2021)، لكنْ تمّ سحبه في آخر لحظة لـ”ظروفٍ ما”. بالإضافة إلى أفلام أخرى أُنتجت في مناسبات ثقافية مختلفة، كـ”بن باديس” للسوري باسل الخطيب، و”دم الذئاب” لعمّار سي فوضيل، و”الدخلاء” لمحمد فوضيل حازورلي. وتكتمل اللائحة بـ”نجم الجزائر” و”مطارس” لرشيد بن حاج، و”جنية” لعبد الكريم بهلول.

في حديثها عن إعادة فتح الصالات وبرنامج العروض السينمائية، تناولت بن دودوة فيلم “بن مهيدي”، لبشير درايس، المُثير للجدل، فتلقّفت الصحافة ومواقع التواصل الاجتماعي هذه المعلومة، وتمّ نشرها على قطاع واسع. لكنّ درايس كَذّب الخبر، مشيراً إلى عدم وجود أيّ مخطّط لإطلاقه في الوقت الحالي، بسبب عدم التوصّل إلى اتّفاق بينه وبين الجهة المنتجة، الممثّلة بوزارتي المجاهدين والثقافة. وطلب درايس من المسؤولين، الذين يروّجون للعرض، بالتوقّف عن “السخرية من الجزائريين”، مُقدِّماً ما يعتبره حلاًّ للمسألة المعلّقة منذ 3 أعوام: “ربما سيجدون حلاًّ ما. لكنْ، إذا لم يُعثر على حلّ، فالأفضل لكِ (يقصد وزيرة الثقافة) ولي أنْ نذهب إلى المحاكم، كما هو منصوص عليه في المادة الأخيرة من العقد، وأنْ نترك القضاة والمحامين يقومون بعملهم. النسخة صفر، التي تمّ حظرها، سُلِّمت للوزارة في 3 مارس/ آذار 2018. نحن حالياً في 11 مارس/ آذار 2021 (يوم أعلن تصريحه هذا ـ المحرّر). 3 سنوات، أليست كافية؟”.

أوشك “كاتب الدولة للصناعة السينماتوغرافية”، قبل إقالته وإلغاء هذا المنصب، على التوصّل إلى اتفاق مع المخرج بشير درايس. لكنّ خروجه من الفريق الحكومي أعاد الخلاف بين المخرج والسلطة إلى نقطة الصفر، خاصةً أنّ درايس لا يزال مصمِّماً على وجهة نظره في أحداث الفيلم، على عكس الجهات الرسمية، التي تريد تغيير وقائع وحذف أخرى، لتبقى شخصية الثوري العربي بن مهيدي تثير النقاش التاريخي بين مؤرّخي الجزائر وفرنسا، على خلفية دوره الكبير في الثورة، وتعذيبه وتصفيته على أيدي العسكر، من دون الاعتراف بهذه الجريمة؛ كما تُثير نقاشاً فنياً، إذْ أثار منذ سنوات جدلاً كثيراً، فيما يبقى الجزائريون ـ الذين يعتبرون العربي بن مهيدي أيقونة ـ يتفرّجون على الأحداث من بعيد، بانتظار اتفاقٍ رسمي بين الجهات كلّها يُتيح عرض الفيلم في صالات السينما.

رغم قرار الوزيرة إعادة النشاط السينمائي إلى طبيعته، لا تشمل الإعادة مهرجانات السينما (“وهران الدولي للفيلم العربي”، و”عنابة للفيلم المتوسطي”). السبب، بحسب الوزيرة، “سوء التسيير دائماً”، إذْ ترى أنّه من غير المعقول أنْ يتحمّل الرؤساء الجدد للمهرجانات نتائج سوء تسيير الإدارات السابقة، التي تركت ديوناً كثيرة موزّعة على جهاتٍ عدّة، ما سيُسبّب مشاكل كبيرة في حال عودتها. وتعكف الوزارة على إعداد دفتر شروط جديد لتسيير المهرجانات. وبحسب المعطيات المتوفّرة، فإنّ عودة المهرجانات الكبيرة غير مُدرجة في الوقت الراهن.

لكنّ السبب الحقيقي، الذي لم تذكره الوزيرة، كامنٌ في الميزانية المالية التي ستستهلكها. هذا لا تقدر عليه ميزانية وزارة الثقافة والفنون، الضعيفة أصلاً. لذا، ارتكزت الوزيرة على حجّة “سوء التسيير”، القائم فعلياً، لكنّه لا يمكن أنْ يكون حجّة لتوقّف مهرجان، كان يُعتبر واجهة ثقافية وفنية مهمّة للجزائر.
المصدر: العربي الجديد

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق