“القشابية”.. درع الجزائري لمقاومة برد الشتاء

الجيريانن اكسبرس: في هذه الأيام الباردة من شهر ديسمبر، يجد الكثير من الجزائريين ضالتهم في ارتداء أحد الألبسة التقليدية التي مازال المجتمع محافظا عليها، وهي “القشابية” بمختلف ألوانها، ويعتبر هذا اللباس مساعدا على مقاومة البرد القارس والصقيع خاصة في مناطق الهضاب العليا حيث تنخفض درجة الحرارة إلى ما دون الصفر في كثير من الأحيان.

رغم مرور العقود إلا أن “القشابية” في الجزائر لا تزال تحافظ على مكانتها وسط الألبسة الرجالية التقليدية رغم غزو “الموضة” والتنوع الذي تعرفه أسواق الألبسة بمختلف “ماركاتها” العالمية والتي أصبح شباب اليوم مواظبا على تتبع آخر صيحاتها.
ومن خصوصيتها مع تغير الأزمنة والأجيال، أنها ليست حكرا على الكبار في السن وحدهم، بل حتى الشباب، إذ في كثير من المناطق لا يخلوا منزل واحد من شخص لا يرتدي هذا اللباس التقليدي العريق، خاصة أنه عرف نوعا من التحديث حيث حوّله بعض الحرفيين إلى شكل معطف.
تراث جزائري

تعتبر “القشابية” من الألبسة التقليدية الشهيرة في الجزائر، حيث لم تعرف طريقا إلى الاندثار، وتجدها بكثرة في مناطق الشرق خاصة في ولايات الأوراس ومناطق الهضاب العليا كسطيف والجلفة، مادتها الأولية الوبر والصوف الخالص، وتبقى صنعة متوارثة عبر الأجيال.

وتؤكد محافظ التراث الثقافي في المركز التفسيري للباس التقليدي الجزائري، الدكتورة سميرة أمبوعزة أن القشابية “تعتبر موروثا ثقافيا حافظت عليه الأجيال وتحول مع الوقت إلى جزء لا يتجزأ من الهوية الجزائرية”.

وحسب الدكتورة أمبوعزة فإن “القشابية” عبارة عن “عباءة” كما تصنف بأنها “وريثة البرنوس” (عبارة عن معطف طويل من الصوف يضم غطاء رأس مذبب وليس به أكمام، وينتشر استعماله في منطقة الشمال الأفريقي)، وتعود إلى تاريخها بالقول إنها في البداية “كانت قصيرة وليست طويلة كما هو معروف عليها اليوم، وتختلف من منطقة إلى أخرى، فهناك جهات تحاك القشابية من الوبر أو الصوف”.

وكشفت محافظ التراث الثقافي في المركز التفسيري للباس التقليدي الجزائري، أن هناك “قشابية” خاصة بالطقس الحار وليست بذلك حصريا مخصصة لفصل الشتاء فقط، كما يعتقد الكثيرون.

وتبدع النساء الحرفيات في حياكتها ونسجها رغم الوقت الطويل والجهد الكبير الذي يستهلك في إخراج “قشابية” واحدة، خاصة من تخيطها بيديها، وحسب العديد من العارفين بصناعة هذا اللباس، فإن هناك القشابية الوبرية أو تلك التي من صوف الأغنام.

ومن الأمور التي تجعل الرجل الجزائري متمسكا بـ”القشابية” رغم كل هذه المدة، رمزيتها التاريخية فعلاوة على الهمة والشموخ الذي تمنحه لمرتديها، ظلت “القشابية” اللباس المفضل لثوار الجزائر خلال فترة الثورة التحريرية ضد الاستعمار الفرنسي (1954-1962)، حيث كانوا يرتدونها في الجبال والمناطق الوعرة من ناحية التضاريس والمناخ.

القاسم المشترك بين الجميع

“أظهر عندما أرتديها، وكأنني أحمل فوق جسدي تراثا وأصالة وتاريخا مجيدا لا أحس به حتى وإن كنت أرتدي أفخم الألبسة”، هكذا يقول عمي سعد 68 سنة لموقع “سكاي نيوز عربية” وهو مرتديا “قشابية” وبرية حمراء اللون عندما سألناه عن رأيه وهو ما يزال محافظا على هذا اللباس.

وتابع المتحدث ذاته الذي يشتغل في التجارة بالعاصمة: “لا يمكن أن أتخلى عن لباس الأجداد من ناحية ومن ناحية أخرى هذه هي الوسيلة الوحيدة للتغلب على الطقس البارد لهذه الأيام.. وسأترك هذا اللباس لأولادي كما تركه لي أجدادي”.

ومن الأمور المميزة لـ”القشابية” حسب الجزائريين هي ليست لباسا طبقيا، لأنها تلبس عند الأغنياء والفقراء، كما أن المسؤولين الجزائريين بمختلف مستوياتهم لا يخفون ارتداءها خاصة في المناسبات، فهي نوع من الألبسة التي تضع الناس جميعا سواسية.

مشكلة التسويق

يشدد الكثير من الحرفيين وصانعي الألبسة التقليدية عموما والقشابية خصوصا على عدة مشاكل تعتريهم في مهنتهم، خاصة ما تلعق بارتفاع أسعار المواد الأولية إضافة إلى أزمة التسويق حتى في المدن الكبرى، حيث من الصعب أن تجد محلا مخصصا لها.

وكشف رئيس الجمعية الوطنية للتجار والحرفيين، الحاج الطاهر بولنوار في اتصال مع موقع “سكاي نيوز عربية” أن هناك عدة مطبات تعتري حرفيي الألبسة التقليدية عموما و”القشابية” خصوصا أبرزها ارتفاع أسعار المواد الأولية من وبر وصوف، نظرا لضعف الصناعة التحويلية، وثانيا مشكلة تسويق المنتوج.

وأبرز رئيس جمعية التجار والحرفيين في سياق حديثه بأنه رغم الأهمية الكبيرة لهذا اللباس التقليدي العريق في التعريف بثقافة البلد وتنوعه إلا أن الاهتمام بهذا النوع من اللباس “ضعيف”، رغم وجود مهرجانات خاصة به في بعض الأحيان.

ولذلك فإن جمعية التجار والحرفيين تخطط ابتداء من السنة المقبلة لتنظيم شبكة توزيع تتمركز في المدن الكبرى للبلاد خاصة بكل منتوج حرفي بما فيه صناعة الألبسة لسد الفراغ الحاصل في تسويق هذه المنتوجات التقليدية.

وحسب بعض تجار الألبسة التقليدية فإن سعر “القشابية” يختلف من منطقة إلى أخرى، إضافة إلى معيار النوعية حيث تتراوح الأقل ثمنا من 20 ألف دينار جزائري إلى 30 ألفا، في حين تصل الأغلى إلى 100 ألف ملايين دينار جزائري.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق