عيد الشكر (Thanksgiving) بأميركا.. مخاوف من كورونا و”خطط بديلة” للاحتفال
في الوقت الذي تواصل فيه الولايات المتحدة الأميركية مكافحة جائحة كورونا، يستعد الكثير من الأميركيين للاحتفال بعيد الشكر لهذا العام بطريقة غير مسبوقة في الذاكرة الحديثة.
عيد الشكر أو “Thanks giving” هو عيد وطني في البلاد، وتقليد سنوي يجمع العائلات والأصدقاء حول مائدة العشاء ومكونها الرئيسي الديك الرومي المشوي، الذي يتوسط المائدة، إلى جانب أصناف أخرى من اللحوم والبطاطس، بالإضافة إلى حلوى فطيرة اليقطين.
ويأتي عيد الشكر في رابع يوم خميس من شهر نوفمبر. ويتبعه يوم “الجمعة السوداء”، الذي يشهد ازدحاما كبيرا في المتاجر، على اعتبار أنه اليوم السنوي لأكبر التخفيضات التجارية على كل أصناف السلع.
حكاية عيد الشكر
في عام 1620، غادرت سفينة صغيرة أطلق عليها اسم May flower Plymouth ماي فلاور بليموث بريطانيا العظمى باتجاه “العالم الجديد”.
كانت السفينة تحمل 102 راكبا، بعضهم من الانفصاليين الدينيين الذين يبحثون عن وطن جديد يمكنهم من خلاله ممارسة عقيدتهم الدينية بحرية بعد أن تم اضطهادهم في إنجلترا، وآخرون تم إغراؤهم بوعد الرخاء وملكية الأراضي في العالم الجديد.
وبعد رحلة شاقة وطويلة استمرت 66 يوما، مات فيها الكثير منهم بسبب التعب والجوع والمرض، وصلت السفينة إلى الشاطئ الشرقي لولاية ماساشوستس وكان ذلك في شهر نوفمبر.
غير أن وصولهم تزامن مع دخول فصل الشتاء الذي يتميز بالبرد القارس والأمطار الغزيرة، علاوة على الثلوج التي أهلكت معظمهم بسبب جهلهم لطرق الصيد والزراعة.
ولحسن الحظ تم إنقاذهم على يد اثنين من سكان البلاد الأصليين من الهنود، هما “ساموسيت” و”سكوانتو” اللذان شرعا في تعليم المهاجرين الجدد كيفية صيد الطيور والحيوانات والأسماك وزراعة الذرة.
وبعد فترة قرر المهاجرون الذين تحولوا إلى مواطنين أميركيين بعدما استوطنوا العالم الجديد، الاحتفال بالنعمة التي منّ بها الله عليهم في بلادهم الجديدة. ووجهوا الدعوة إلى الهنديين والقبائل التي ينتميان إليها للاحتفال بما سموه عيد الشكر في نوفمبر من العام 1621، وتناولوا الديك الرومي في مأدبة مهيبة.
إبان الحرب الأهلية الأميركية، حدد الكونغرس يوما أو أكثر من أيام الشكر في السنة.
وفي العام 1789 أصدر جورج واشنطن أول إعلان رسمي لجعل هذا العيد مناسبة وطنية، ودعا فيه الأميركيين للتعبير عن امتنانهم للنهاية السعيدة لحرب الاستقلال.
البيت الأبيض يعفو عن الديك الرومي
وهكذا تحول عيد الشكر إلى مناسبة سنوية للاحتفال بالنعم التي يتمتع بها الأميركيون. ويشترك في الاحتفال المهاجرون الجدد بمختلف طوائفهم وأعراقهم، علما أنه ليس عيدا دينيا، إذ يُحتفل به داخل المنازل ولا تقرع له أجراس الكنائس.
ويجتمع خلاله أفراد العائلة على مائدة مليئة بما لذ وطاب من الأطباق.
الديك الرومي عنصر أساس في عيد الشكر في كل مكان، حتى أصبح رمزا للعيد. فالتقليد السنوي الوطني لعيد الشكر يبدأ بعرض تقديمي يقام في البيت الأبيض كل عام قبل العيد، إذ يتم تقديم ديك رومي إلى رئيس الولايات المتحدة، ويصدر الرئيس “عفوا” عن ذبح الديك الرومي، لينقذ حياته ويُرسَل إلى مزرعة للتقاعد.
هذا التقليد السنوي انطلق في العام 1947، حين قام رئيس الولايات المتحدة أنذاك هاري اس ترومان “بالعفو” عن ديك رومي قدم إليه.
مسيرات عيد الشكر
لطالما كانت المسيرات أيضا جزءًا لا يتجزأ من العطلة في المدن والمقاطعات في جميع أنحاء البلاد، إذ إن موكب عيد الشكر في مدينة نيويورك، الذي يقدمه متجر Macy’s، الأكبر والأكثر شهرة، يجذب ما يزيد عن مليوني متفرج، وملايين من المتابعين عبر الشاشة الصغيرة.
وعادة ما تتميز المسيرات بفرق موسيقية وفنانين من المشاهير. ولكن، مثل أي تقليد آخر ستبدو مسيرة متجر Macy’s في نيويورك لعام 2020 مختلفة بسبب فيروس كورونا، فالطريقة الوحيدة للمشاهدة ستكون على شاشة التلفزيون.
وتقول سوزان ترسيرو، المنتجة التنفيذية لمسيرة Macy’s: “العرض سيكون هو نفسه وسيوفر عناصر الكذب للمشاهدين من البالونات العملاقة بما في ذلك مجسم ضخم لـboss baby بطول 48 قدما، وموكب عائم لأساطير الرسوم المتحركة توم وجيري، كل ذلك مع مراعاة إجراءات السلامة مثل التباعد الاجتماعي وارتداء الأقنعة. سترون سانتا وبرودواي وكل هذه العناصر التي اعتدتم رؤيتها كل عام. لكن يمكن مشاهدة كل ذلك عبر الشاشة فقط”.
الجمعة السوداء
الجمعة السوداء، هي اليوم الذي يلي عيد الشكر، وهي مناسبة للتسوق بأسعار منخفضة جدا، حيث تشمل التخفيضات كافة المنتجات والسلع.
وتشهد المتاجر اكتظاظاً غير مسبوق في العادة، إلا أنه من المحتمل ألا تفتح جميع أماكن التسوق أبوابها يوم الجمعة السوداء لهذا العام.
ولذلك، استبقت المتاجر الحدث وبدأ العديد من بائعي التجزئة الرئيسيين مبيعات الجمعة السوداء مبكرا.
قصة الجمعة السوداء تختلف عن قصة عيد الشكر ولو أنهما متلازمين. فالقصة الحقيقية وراء الجمعة السوداء ليست مشرقة كما يعتقد البعض.
ففي خمسينيات القرن الماضي، استخدمت الشرطة في مدينة فيلادلفيا هذا المصطلح لوصف الفوضى العارمة التي أعقبت اليوم التالي لعيد الشكر في المدينة، عندما تدفقت جحافل من المتسوقين من الضواحي قبل مباراة لكرة القدم بين الجيش والبحرية.
ولم يتمكن رجال الشرطة من ضبط الوضع بشكل جيد، بل تعين عليهم العمل في نوبات طويلة جدًا للتعامل مع الحشود وحركة المرور.
واستغل اللصوص هشاشة الوضع لسرقة البضائع من المتاجر، فانتشرت تسمية “الجمعة السوداء” في فيلادلفيا.
وحاول التجار في المدينة تغيير التسمية إلى “الجمعة الكبيرة” من أجل إزالة الدلالات السلبية، لكن المصطلح انتقل إلى سائر أنحاء البلاد بعد ذلك، وأصبح شائعا عام 1985.