حمى الوادي المتصدع.. شبح يفزع الموريتانيين

بعد أشهر من سيطرة وباء كورونا على اهتمام وجهود الموريتانيين، وفي الوقت الذي تعرف بعض دول العالم موجة ثانية شرسة للفيروس، تشهد البلاد تراجعا للوباء الذي أرهق العالم، لكن ما إن تنفس الموريتانيون الصعداء من الكورونا حتى ظهرت مجددا حمى الوادي المتصدع التي سجلت منها حالات متفرقة منذ 14 سبتمبر الماضي.

وأعلن وزير الصحة الموريتاني نذير ولد حامد، أن 13حالة إصابة مؤكدة تم تسجيلها خلال شهر، فيما سجلت 8 وفيات.

وتم تسجيل نصف عدد الوفيات في ولاية تگانت (وسط) التي مثلت بؤرة المرض، مما دفع السلطات الصحية إلى اتخاذ إجراءات استعجالية وذلك بإرسال 3 فرق بيطرية مجهزة بالسيارات والمعدات والأدوية اللازمة لمكافحة المرض إلى هذه الولاية، وفرق أخرى إلى المناطق التي شهدت ظهور الحمى، التي اقتصرت على الإبل دون المواشي الأخرى.

وحسب المندوب الجهوي لوزارة التنمية الريفية الموريتانية في تگانت، السيد أسلم محمد المختار، فإن “الحالة ناتجة عن تداخل مرضين هما الباستبريلا (المعروفة محليا بالنحاز البارد)، وهو مرض بسيط يمكن الوقاية منه بحملات تلقيح المواشي”.

لكن يبدو أنه “في حين التزم ملاك الأبقار والأغنام بتلقيح مواشيهم، فإن ملاك قطعان الإبل تعذروا بصعوبة السيطرة على هذه الحيوانات”، الأمر الذي علق عيه محمد المختار بالقول إنه “لو تم تلقيحها لأمكن تفادي هذه الوضعية”.

الوادي المتصدع.. تاريخ ومعلومات

حمى الوادي المتصدع (RVF) عبارة عن مرض حيواني فيروسي يصيب الحيوانات في المقام الأول، لكنه يمكن أن يصيب البشر أيضا، وغالبيتها تتم عند ملامسة الدم أو أعضاء الحيوانات المصابة.

وتعود تسمية المرض إلى موطنه الأصلي في كينيا، حيث ظهر أول مرة عام 1931 أثناء تحري وباء اندلع بين الأغنام في إحدى المزارع في الوادي المتصدِّع بكينيا.

ومنذ ذلك الحين، تم الإبلاغ عن ظهوره في بلدان جنوب الصحراء وشمال إفريقيا. وفي عامي 1997 و1998 تفشى بشكل كبير في كينيا والصومال وتنزانيا.

وفي سبتمبر عام 2000 تم تأكيد حالات من حمى الوادي المتصدع في المملكة العربية السعودية واليمن، وكانت هذه الحالات أول وقوع للمرض تم الإبلاغ عنه خارج القارة الإفريقية، مما أثار القلق من إمكانية امتداد المرض إلى مناطق أخرى في آسيا وأوروبا.

ورغم الهلع وحالة الاستنفار التي يسببها هذا المرض، فإنه لا ينتقل من إنسان لآخر وإنما “ينتقل في أغلب الحالات للأشخاص الذين يتعاملون بشكل مباشر مع الحيوانات المصابة، مثل المنمين والجزارين”، كما يقول مدير الوقاية الوبائية والإعلام الصحي في وزارة الصحة الموريتانية، السيد محمد محمود علي محمود.

وأضاف: “المرض ينتقل عن طريق الدم والسوائل البيولوجية. أما الحليب واللحوم فهما وسيلة ثانوية لانتقال العدوى، ويمكن استعمالهما بشكل آمن بعد بسترة الحليب وطهي اللحم”.

وحسب منظمة الصحة العالمية، فقد نجمت العدوى البشرية أيضا عن لدغات البعوض المصاب، لاسيما البعوض من نوع “الزاعجة” (aedes)، كما من الممكن أن ينتقل فيروس الحمى عن طريق الذباب الماص للدم.

أشكال وأعراض حمى الوادي المتصدع

وتقسم منظمة الصحة العالمية حمى الوادي المتصدع حسب السمات السريرية في البشر إلى شكلين:

– الشكل الخفيف:

تتراوح مدة حضانة حمى الوادي المتصدع (الفتـرة من العدوى وحتى بداية ظهور الأعراض) من يومين إلى 6 أيام.

ويعاني المصابون بالعدوى إما من أعراض يتعذَّر اكتشافها، وإما من شكل خفيف من المرض تميزه متلازمة حُموية، مع ظهور مفاجئ لحمى شبيهة بالإنفلونزا، وآلام في العضلات، وآلام في المفاصل، وصداع.

كما يعاني بعض المرضى من تيبس الرقبة، والحساسية للضوء، وفقدان الشهية، والقيء. وفي المراحل المبكرة للمرض قد يظن البعض أن هؤلاء المرضى مصابون بالتهاب السحايا.

وعادة ما تستمر أعراض حمى الوادي المتصدع لفترة تتراوح ما بين 4 إلى 7 أيام، تبدأ بعدها الاستجابة المناعية نتيجة لظهور الأضداد، ويختفي الفيروس تدريجيا من الدم.

– الشكل الوخيم:

رغم أن معظم الحالات البشرية خفيفة نسبيا، فإن نسبة مئوية قليلة من المرضى تصاب بشكل أشد وخامة من المرض. ويظهر ذلك في شكل واحدة من ثلاث متلازمات محددة: مرض عيني (0.5 – 2 بالمئة من المرضى)، أو التهاب السحايا والدماغ (أقل من 1 بالمئة)، أو حمى نزفية (أقل من 1 بالمئة).

وقد تفاوت معدل الإماتة الكلي في الحالات تفاوتا كبيرا من وباء لآخر، لكنه كان عموما أقل من 1 بالمئة في الحالات الموثقة. وتحدث معظم الوفيات بين المرضى المصابين بالشكل اليرقاني النزفي للمرض.

تداعيات حمى الوادي المتصدع في موريتانيا

ومنذ الإعلان عن ظهور حالات من حمى الوادي المتصدع في موريتانيا وتسببه في حالات وفاة، فقد توقف كثير من الموريتانيين عن استعمال الألبان واللحوم، خصوصا مشتقات الإبل، التي كانت تشهد إقبالا محموما، وبشكل أكبر الحليب.

وكان سعر لتر حليب النوق قد ارتفع في بعض المناطق الداخلية إلى 1000 أوقية قديمة (حوالي دولارين ونصف) قبل ظهور الحمى، لكن الإقبال تراجع الآن.

أما اللحوم فتخضع في الغالب للفحص البيطري قبل دخولها للأسواق، لكن يحدث في المناطق الريفية أن يكتشف الناس المرض فيتراجعوا عن استعمال اللحوم، ويبادروا لإبلاغ الجهات الصحية.

وواكبت السلطات الصحية والإعلام العمومي ظهور حمى الوادي المتصدع في موريتانيا ببرامج وإرشادات للتوعية، لكن بعض المراقبين يعتبرون ما تم القيام به في هذا المضمار “دون المستوى المطلوب”، وأن الوضع “يستدعي تعاونا إقليميا لتفادي فاشيات ظهرت في أوقات سابقة نتيجة غياب هذا التعاون”.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق