انهيار الاقتصاد المغربي بسبب السوق “الموازي”
يمثل الاقتصاد السري “الموازي”، عقبة كبير في معظم دول العالم، خاصة مع أزمة “كوفيد 19” التي انعكست بشكل أكبر على القطاعين الاقتصادي والصحي.
وفي المغرب يمثل الاقتصاد السري عقبة كبيرة أمام عملية النمو الاقتصادي، كما يمثل خطورة أخرى على غرار ما وقع في مدينة طنجة قبل أيام وراح ضحيته العشرات من العاملين في وحدة نسيج سرية.
وبحسب خبراء الاقتصاد في المغرب، فإن نسبة الاقتصاد السري تراجعت في الفترة الراهنة عن السنوات الماضية، إلا أن هذا التراجع لم يلحظ تأثيره المباشر.
أرقام وتفاصيل دقيقة أشار إليها الخبراء في حديثهم لـ”سبوتنيك”، لكنهم أكدوا على ضرورة اتخاذ خطوات عاجلة من الدولة للحد من تكرار مثل واقعة طنجة، والاستفادة من الاقتصاد غير المهيكل، ودعمه أيضا بتوفير البيئة الملائمة وكافة ما يحتاجه القطاع ليصبح ضمن الاقتصاد المهيكل.
وبحسب وكالة “المغرب العربي” للأنباء، فقد أدى تسرب مياه الأمطار داخل “وحدة صناعية سرية للنسيج كائنة بمرآب تحت أرضي بفيلا سكنية بحي الإناس، بمنطقة المرس بطنجة، لوفاة 28 من العاملين والعاملات، فيما تم إنقاذ 10 أشخاص، نقلوا إلى المستشفى الجهوي لتلقي الإسعافات الضرورية”.
وفي تعليقه، قال الخبير الاقتصادي المغربي أوهادي سعيد، إن حادث طنجة المغربية التي أوقعت العديد من الضحايا في صفوف العاملات والعاملين سرا بأحد معامل الألبسة، أعادت إلى الواجهة إشكالية القطاع غير المهيكل ومنه السري، وهو ما يعرف بـ “الاقتصاد الموازي” بالمغرب.
وأضاف في حديثه لـ”سبوتينك”، أن تفاقم ظاهرة الاقتصاد غير المهيكل بالمملكة المغربية يمكن اعتباره نتيجة مباشرة تطبيق برنامج التقويم الهيكلي بين 1983 و1993، والذي أسفر عن البطالة والتهميش في ظل تراجع الاستثمار العمومي والحد من التشغيل العمومي، بعد فشل القطاع الخاص في الحفاظ على التوازن اللازم في سوق الشغل.
وأوضح سعيد أن المندوبية السامية للتخطيط حاولت رصد الظاهرة في أفق تحديد السياسة المناسبة لتجاوز الوضع المحرج والخطير.
ويمثل القطاع غير المهيكل في المغرب 40% من الناتج الإجمالي، بين سنة 1988 و1998، ثم وصل إلى حدود 34% بين 1999و2008 قبل أن يصل إلى 30% بين 2009 و2018 حسب الخبير المغربي.
وأشار سعيد إلى أن هذا الاقتصاد يمثل حسب المندوبية السامية للتخطيط 1،68 مليون وحدة إنتاج سنة 2013، أي بنمو سنوي قدره 19 ألف وحدة إنتاجية.
صندوق النقد الدولي يقدر القطاع بحوالي 34%، وهو معدل مرتفع بالمقارنة مع دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية 17،2%، ودول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 25%.
كما أن القطاع السري مثل 70 % من مناصب الشغل بين 1986 و1990، وتوجه مبيعاته بنسبة 78% إلى الأسر، حيث تعتمد أساسا على التمويل الذاتي بنسبة 82،2% وتنشط في البناء والتجارة الصغيرة والخدمات.
وبشأن مواجهة الإشكالية يرى أن المغرب اعتمد على سياسات ترمي إلى تشجيع الشباب بخلق مقاولات، وذلك بعملية تحليلية ترمي إلى تجويد مناخ الأعمال وتخفيض كلفة الإنشاء والتسيير، بما في ذلك التحقيقات الضريبية.
وأشار إلى أن البعض يرى عدم جدوى القضاء على القطاع غير المهيكل، نظرا لأنه يشكل آلية توازن اقتصادي واجتماعي وسياسي أيضا.
كما يعتبر البعض الإبقاء على نفس الوضع خطورة قصوى، ويمكن أن يتكرر الحادث الأخير في طنجة ويكرس لحالة الهشاشة لفئة عريضة من المواطنين الذين يحرمون من التغطية الصحية، والحماية القانونية وفتح المجال لأنشطة غير قانونية.
وبحسب سعيد أن الحل الأقرب إلى الواقعية والمنطق يبقى في إيجاد نظام خاص لهذا القطاع، يمكن من إدراجه تدريجيا في المنظومة الاقتصادية والدورة الاقتصادية، وذلك للاستفادة من تجارب دولية ناجحة في هذا الإطار منها البرتغال واليونان.
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي المغربي رشيد ساري، إن الاقتصاد السري يكبد المغرب خسائر أكثر من 360 مليار درهم (40 مليار دولار) أي بنسبة 30%، وهو ضمن العوامل التي تجعل الاقتصاد المغربي في مواجهة معضلة اقتصادية تنعكس بشكل جلي على الجانب الاجتماعي.
وبحسب حديثه لـ”سبوتنيك”، فإن الدولة بذلت مجهودا كبيرا، حيث أن القطاع غير المهيكل كان يمثل نسبة 40% نهاية الثمانينات، إلا أن التحسن الطفيف لم ينعكس على المنظومة الاقتصادية للمغرب.
مشروع تعميم التغطية الصحية لـ 22 مليون من المغاربة، يراه ساري ضمن الأدلة على أن القطاع غير المهيكل يعد أحد الإكراهات الحقيقية التي يواجهها المغرب.
ويرى أن المغرب في حاجة ماسة في الوقت الراهن، أكثر من أي وقت مضى، لنموذج تنموي يقطع مع الريع الاقتصادي، ويضمن كرامة المواطن المغربي.
وأشار إلى أن ما حدث مؤخرا بطنجة هو نموذج مصغر جدا للوضع المأسوي الذي يمكن أن يحدث نتيجة الاقتصاد السري.
القوانين وحدها غير كافية للحد من اقتصاد الريع، هو ما يؤكده ساري، حيث يرى ضرورة وعي أصحاب المشاريع، إضافة إلى منظومة ضريبية تتماشى مع الوضع الاقتصاد، الذي يعيشه المغرب حاليا في ظل جائحة كورونا، والتي فاقمت من الفوارق الاجتماعية في كل دول العالم.
وشدد على ضرورة خلق مناطق صناعية للمقاولات الصغرى والمعيشية بتحفيزات عقارية وضريبية.
سبوتنيك