ما هي رؤية النظام الجزائري للمجتمع المدني آفاق 2030؟!
لماذا النظام الجزائري عدو لفعاليات المجتمع المدني؟؟، هذا التساؤل ليس شخصي، بل أكده ابن السيستام مولود حمروش : “النظام معاد للاحزاب والجمعيات، معاد لكل ما من شأنه ان يكون صوتا للشعب فيسمعه ويستعمله”.
في رأيي هذه المقولة مستمدة من الفكر الماركسي الشيوعي الذي يجعل من الجمعيات والمنظمات العمالية أدوات لتنفيذ السياسات العامة، مثلما حدث مع UGTA والتنظيمات الطلابية وجمعيات الأحياء، ولم يعد مستغربا ان يصبح Chef cartier بزناسيا في السكن، في وقت لا يرى هذا الشاف ان مهمته تنظيف الحي، وليس خبارجي.
في معتقدي الباطن، أن هؤلاء رؤساء الجمعيات والأحياء (الذين يعتقدون أن مهامهم تطبيق السياسات العامة) هم الحلقة الأولى في فقدان الثقة بين المواطن والمسؤول.
في الفكر الليبيرالي، الجمعيات والمجتمع المدني هي سلطة مضادة للحكومات، وبلا شك فان بعض المتحررين من بلدان العالم الثالث انبهروا بقدرة هاته الجمعيات في الدفاع عن الحقوق وتعرية الحكومات والضغط عليها.
هاته الجمعيات في تلك المجتمعات المتقدمة الليبيرالية تعتقد أن السلطة مقتسمة بين (سلطة سياسية مؤسساتية، سلطة المال، سلطة مضادة)، وأن التوازن بينها والعمل في شفافية هو بلا شك في صالح الدولة واستمرارها.
لذلك، نجد غالبية رجال السياسة ومشاهير الفن والرياضة ورواد رجال الأعمال ينخرطون برغبة ملحة في العمل الجمعوي، ويشكلون بذلك قوى مضادة للحكومات في العالم، وباطنيا قوى مساعدة لاضعاف الحكومات التي تنافس دولتهم وتقدمها، خصوصا في مجال حقوق الانسان.
أما في بعض المجتمعات المحافظة والعريقة (مثل ألمانيا والنمسا والسويد وكوريا واليابان) يعمل المجتمع المدني جنبا الى جنب مع الحكومات والقطاع الإقتصادي على خلق الثروة وتنظيم المجتمع والتشريع ودعم التعليم وغيرها.
وفي هاته المجتمعات، يكون العمل الجمعوي والتطوعي فرضا على كل فرد، ويرتبط العمل الجمعوي في الغالب بالصالح العام والمصلحة المشتركة، واحيانا، يكون للدور الجمعوي مهام اقتصادية وتنموية وخدماتية، وبذلك، فالدولة في تلك المجتمعات تتفرغ في تشييد البنى التحتية والمشاريع الاستراتيجية والتنظيم العام الدولة، ولكل مجتمع محلي الحق في وضع تشريعات محلية تلائمه.
هذا التقسيم السوسيو-ايديولوجي للمجتمعات والدول، يحيلنا على الرؤية الاستراتيجية للجزائر من جانب المجتمع المدني، ومن خلال خرجات الرئيس تبون الاعلامية، والواقع المعاش بين المكونات الثلاث: مواطن-جمعيات-حكومة، يمكننا طرح ثلاث نقاط:
1️⃣ تطهير المجتمع المدني والجمعيات:
التطهير في مفهوم هذا الطرح، هو تطهير قانوني، بمعنى أن المطابقة مع القانون الجديد للجمعيات يجب أن تفرض على مسييريها تقارير مالية مؤشر عليها لدى محافظ الحسابات، ومدعومة بتقرير أدبي واقعي، ولذلك يكون من السهل، تتبع الأثار المالية والنشاطات لتورطها سابقا في العمل خارج أهدافها المحددة قانونا.
و بالمقابل، يكون اعتماد الجمعيات الجديدة بناء على تحديد صارم للأهداف، وتقسيمها الى جمعيات موضوعاتية حتى يكون هناك تكامل في بناء خارطة للمجتمع المدني لخدمة المجتمع والدولة.
2️⃣ الدعم المالي والمادي واللوجيستيكي المجتمع المدني:
في وقت لم نسجل أي مؤسسات او رجال اعمال يمنح دعما ماليا للجمعيات، الا بالموالاة والتوريط، ورغم التشريع الضريبي الذي يعطيه امتيازات في هذا الشأن، فيجب أن تتميز النظرة الاستراتيجية للدولة في توفير ثلاث حاجيات اساسية لانجاح رؤيتها وهي : (المقر، اعتماد مالي مستقر، مرافقة ادارية ملزمة).
3️⃣ اشراك المجتمع المدني في البناء والتنمية:
بالنظر الى التأثير الواضح لفعاليات المجتمع المدني في تنشيط المجتمع والاصغاء اليه وتأطيره، يستلزم من الحكومات والقطاع الاقتصادي والبحث العلمي، خلق شراكات متنوعة في كل المجالات (تجارية، خدماتية، حرفية، استشارية، تكوينية، وظيفية …..)، من أجل تسهيل التحكم في سلوك المجتمع العام وتوجيهه، وكذا جعله مرنا أمام الأزمات الاقتصادية والصحية والطبيعية والسياسية.
ختاما،
يبدو أن تجربة المجتمع الجزائري في تشكيل المجتمع المدني مختلفة عن تجارب المجتمعات الشيوعية والليبيرالية والمحافظة، ولذلك، فان الفشل الواضح منذ الاستقلال هو فشل الرؤية والدراسة العميقة لسوسيولوجية الفرد الجزائري، ولعل الرؤية المستقبلية للاجيال الصاعدة تختلف عن رؤية سابقيهم.
ولهذا يتحتم على الحكومة الحالية الابتعاد بجدية عن النظرة العمودية، والتركيز على خلق مساحات ومؤسسات واتصالات أفقية، والتخلي عن فكرة (السلطة هي الدولة ، والدولة هي السلطة).
ملاحظة: هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن الجيريان إكسبرس