تايمز: كيف تتجنب الولايات المتحدة حربا شاملة مع الصين؟
حذر مجلس العلاقات الخارجية الأميركي (CFR)، من أن تايوان أصبحت أخطر نقطة اشتعال في العالم، نتيجة لاحتمال نشوب حرب هناك بين الولايات المتحدة والصين، وربما قوى دولية كبرى أخرى.
وتعليقا على ذلك، كتب روجر بويز مقالا في صحيفة تايمز Times البريطانية، قال فيه إن قيام مثل هذا المعهد السياسي المرموق بدقِّ ناقوس خطر -مثل هذه الحرب في الوقت الراهن- ربما يكون فيه بعض التهويل، منتقدا في الوقت ذاته مدى ضآلة مناقشة أزمة تايوان علنا في الغرب، رغم ما يمكن أن يتمحض عنها من دمار هائل إذا أدت إلى مواجهة مسلحة بين واشنطن وبكين.
وأضاف الكاتب، أنه كان من الأسهل على الإدارات الأميركية السابقة أن تستمر في انتهاج أسلوب الغموض الإستراتيجي عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن تايوان، لكن مع إصرار الرئيس الصيني شي جين بينغ المتزايد واستثماره العسكري الضخم، لن يظل ذلك الأسلوب مجديا فترة طويلة، خصوصا بعدما نفّذ جنود كوماندوز صينيّون تدريبات على اقتحام نموذج بالحجم الكامل للقصر الرئاسي في تايوان.
وهنا، يقول الكاتب إن الوضع الحالي يستوجب عرض الأسئلة التالية: إذا قامت الصين بغزو تايوان، فكم من الوقت ستنتظر الولايات المتحدة قبل أن تهب لنجدتها؟ وهل ستخاطر الولايات المتحدة بدخول حرب شاملة؟ وإذا حاولت بكين خنق تايوان ببطء -كما فعلت مع هونغ كونغ- في أي مرحلة وعلى أي مستوى ستتدخل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن؟ وهل ستفعل ذلك بمفردها أم مع حلفاء آخرين؟
ويضيف الكاتب أن التايوانيين يعتمدون على إمدادات الأسلحة من الولايات المتحدة، وذلك لجعل الرئيس الصيني يفكر مرتين قبل غزوهم. لكن دفاعهم الأساسي في النهاية سوف يتحول إلى مقاومة طويلة الأمد لاحتلال صيني مفترض، فتايوان دولة صغيرة يبلغ عدد سكانها 23 مليون نسمة، وتواجه تهديدا من جار كبير يبلغ تعداد سكانه 1.4 مليار نسمة، وجيش تايوان قوامه 163 ألف جندي في مواجهة أكثر من مليوني جندي صيني.
ومع ذلك، ليس من المؤكد أن الصين ستحقق نصرًا سهلا في تايوان، لسبب واحد، وهو أنها لم تكن لديها خبرة قتالية حقيقية منذ حربها التي استمرت شهرًا مع فيتنام في عام 1979، وهي حرب يذهب الكثير من المحللين إلى القول بأن فيتنام هي التي حققت الانتصار فيها، خصوصا أنها رفضت الانصياع للأوامر الصينية بالخروج من كمبوديا، وظلت قواتها هناك إلى العام 1989.
لكن -والكلام للكاتب- من المحال تجاهل الزيادة الكبيرة في عدد طائرات التجسس الصينية أو أساطيل جرافات الرمال بالقرب من مياه تايوان لأخذ الصور وقطع كابلات الإنترنت تحت الماء في حالة الضرورة، كما يُنقل عن بعض محللي المخابرات قولهم إن الصين طورت مركبة إنزال قادرة على حمل الدبابات.
ويلفت الكاتب النظر إلى أن مسؤولي الدفاع التايوانيين لا يستبعدون مثلا حصارا بحريا أو هجوما إلكترونيا على البنية التحتية الحيوية لتايوان من طرف الصين.
ومن هنا، يقول بويز، إن السؤال الذي يَعرض نفسه هو: في أي مرحلة ينبغي لإدارة بايدن أن تَعُدّ الخطوة الصينية تجاوزا للخط الأحمر؟ ويجيب بأن الحصار إذا صار أمرا واقعا -بينما لا تزال القيادة الأميركية مشتتة- فإنه سيمثل انتصارا للرئيس الصيني، وسيثبت أن الولايات المتحدة لم يعد لها نفوذ في آسيا، وأن علاقاتها الأمنية مع كوريا الجنوبية أو اليابان لا قيمة لها.
ويبرز الكاتب توصيات مجلس السياسات الخارجية التي تقول إن على بايدن ألا يخاطر بحرب مع الصين. ومع ذلك، يتعين عليه بناء خط ردع حقيقي، مشيرا إلى إن تكتيكات الرئيس السابق دونالد ترامب الجنونية قد جعلت نظيره الصيني يفكر مرتين قبل الإقدام على الاستيلاء على تايوان، لكن تلك التكتيكات لم تقدم إطارا إستراتيجيًا.
ويرى هذا المجلس أيضًا أن على بايدن طمأنةَ الرئيس الصيني بالقول بصراحة إن الولايات المتحدة لا تهدف إلى ترقية الوضع الدبلوماسي لتايوان، ولكنها مصممة على الدفاع عن استقلاليتها وثقافتها الديمقراطية، وفي الوقت نفسه، يجب أن يعمل مع الحلفاء، ولا سيما اليابان، حول كيفية التعامل مع هجوم صيني محتمل، كما يجب أن تساعد الولايات المتحدة في تسليح تايوان وتدريبها للتعامل، ليس فقط مع غزو صيني محتمل، ولكن أيضًا مع احتلال قد يحدث.
ويختم الكاتب بأنه ينبغي لبايدن أن يجعل الصينيين يدركون أن غزوهم لتايوان سيكلفهم غاليا وسيجعل الولايات المتحدة تبقى لعقود قادمة في المحيط الهادئ، على مسافة قريبة من البر الرئيسي الصيني. ولكن -كما يقول الكاتب- هناك دائمًا خطر ألّا يفهم الرئيس الصيني الرسالة بشكل صحيح، وأن يفسرها على أنها مراوغة من بايدن لعدم القتال من أجل تايوان، وفي هذه الحالة لا بد لبايدن أن يثبت أنه ليس رئيسا ضعيفا.